سورة فاطر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)}
قوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ} أي إن تستغيثوا بهم في النوائب لا يسمعوا دعاءكم، لأنها جمادات لا تبصر ولا تسمع. إذ ليس كل سامع ناطقا.
وقال قتادة: المعنى لو سمعوا لم ينفعوكم.
وقيل: أي لو جعلنا لهم عقولا وحياة فسمعوا دعاءكم لكانوا أطوع لله منكم، ولما استجابوا لكم على الكفر. {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي يجحدون أنكم عبدتموهم، ويتبرءون منكم. ثم يجوز أن يرجع هذا إلى المعبودين مما يعقل، كالملائكة والجن والأنبياء والشياطين أي يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا، وأنهم أمروكم بعبادتهم، كما أخبر عن عيسى بقوله: {ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: 116] ويجوز أن يندرج فيه الأصنام أيضا، أي يحييها الله حتى تخبر أنها ليست أهلا للعبادة. هو الله عز وجل، أي لا أحد أخبر بخلق الله من الله، فلا ينبئك مثله في عمله. ينبئك مثله في عمله.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ} أي المحتاجون إليه في بقائكم وكل أحوالكم. الزمخشري: فإن قلت لم عرف الفقراء؟ قلت: قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم لان الفقر مما يتبع الضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر، وقد شهد الله سبحانه على الإنسان بالضعف في قوله: {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28]، وقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم: 54] ولو نكر لكان المعنى: أنتم بعض الفقراء. فإن قلت: قد قوبل {الْفُقَراءُ} بـ {الْغَنِيُّ} فما فائدة {الْحَمِيدُ}؟ قلت: لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم، وليس كل غنى نافعا بغناه إلا إذا كان الغني جوادا منعما، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحمد- ذكر {الْحَمِيدُ} ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه، الجواد المنعم عليهم، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه. وتخفيف الهمزة الثانية أجود الوجوه عند الخليل، ويجوز تخفيف الأولى وحدها وتخفيفهما وتحقيقهما جميعا. {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} تكون {هو} زائدة، فلا يكون لها موضع من الاعراب، وتكون مبتدأة فيكون موضعها رفعا.


{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}
قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} فيه حذف، المعنى إن يشأ أن يذهبكم يذهبكم، أي يفنيكم. {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أي أطوع منكم وأزكى. {وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} أي ممتنع عسير متعذر. وقد مضى هذا في إبراهيم.


{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}
تقدم الكلام فيه، وهو مقطوع مما قبله. والأصل تؤزر حذفت الواو اتباعا ليزر. {وازِرَةٌ} نعت لمحذوف، أي نفس وازرة. وكذا {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها} قال الفراء: أي نفس مثقلة أو دابة. قال: وهذا يقع للمذكر والمؤنث. قال الأخفش: أي وإن تدع مثقلة إنسانا إلى حملها وهو ذنوبها. والحمل ما كان على الظهر، والحمل حمل المرأة وحمل النخلة، حكاهما الكسائي بالفتح لا غير.
وحكى ابن السكيت أن حمل النخلة يفتح ويكسر. {لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} التقدير على قول الأخفش: ولو كان الإنسان المدعو ذا قربى. وأجاز الفراء ولو كان ذو قربى. وهذا جائز عند سيبويه، ومثله {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] فتكون {كانَ} بمعنى وقع، أو يكون الخبر محذوفا، أي وإن كان فيمن تطالبون ذو عسرة.
وحكى سيبويه: الناس مجزيون بأعمالهم إن خير فخير، على هذا. وخيرا فخير، على الأول.
وروى عن عكرمة أنه قال: بلغني أن اليهودي والنصراني يرى الرجل المسلم يوم القيامة فيقول له: ألم أكن قد أسديت إليك يدا، ألم أكن قد أحسنت إليك؟ فيقول بلى. فيقول: أنفعني، فلا يزال المسلم يسأل الله تعالى حتى ينقص، من عذابه. وأن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول: ألم أكن بك بارا، وعليك مشفقا، وإليك محسنا، وأنت ترى ما أنا فيه، فهب لي حسنة من حسناتك، أو احمل عني سيئة، فيقول: إن الذي سألتني يسير، ولكني أخاف مثل ما تخاف. وأن الأب ليقول لابنه مثل ذلك فيرد عليه نحوا من هذا. وأن الرجل ليقول لزوجته: ألم أكن أحسن العشرة لك، فاحملي عني خطيئة لعلي أنجو، فتقول: إن ذلك ليسير ولكني أخاف مما تخاف منه. ثم تلا عكرمة: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى}.
وقال الفضيل بن عياض: هي المرأة تلقى ولدها فتقول: يا ولدي، ألم يكن بطني لك وعاء، ألم يكن ثديي لك سقاء، ألم يكن حجري لك وطاء، يقول: بلى يا أماه، فتقول: يا بني، قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنبا واحدا، فيقول: إليك عني يا أماه، فإني بذنبي عنك مشغول.
قوله تعالى: {إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} أي إنما يقبل إنذارك من يخشى عقاب الله تعالى، وهو كقوله تعالى: {إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ} [يس: 11]. قوله تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} أي من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه. وقرئ: {ومن أزكى فإنما يزكى لنفسه}. {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أي إليه مرجع جميع الخلق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8